” الركراكي” : Trauma Qatar 2022

بقلم : محمد أبوخصيب
لا يختلف اثنان عن حجم الأثر الذي شكَّله إنجاز قطر 2022 على ديناميكية الكرة المغربية، وذلك عندما يتم الحديث حول الدفع بالمنظومة الرياضية إلى الأمام وخصوصًا تحطيم الآليات الدفاعية النفسية التي تتجسد في عدد من التمثلات والتراكمات التي كوَّنت الوعي الجمعي حول بعض صور الفوز والانتصار والهزيمة ببطولة كأس العالم “نموذجًا”.
في الجهة المقابلة، يُطرح سؤال إشكالي أقرب إلى فرضية حول النتائج التي أعقبت “إنجاز قطر”، إلى أي حد استطاع الناخب الوطني وليد الركراكي تجاوز صدمة إنجاز قطر وإن أردنا الغوص أكثر وما حققه مع الوداد؟
إن محاولة مقاربتي لهذا الموضوع انطلقت من داخلها بوضع مسافة مع كل التفسيرات التقنية وما تعج به مواقع التواصل الاجتماعي ومنصات الفيديو وبعض القراءات التي تم وضعها في عدد من وسائل الإعلام، حيث أنصب السعي نحو محاولة نمذجة “الشكل التواصلي عند وليد الركراكي منذ توليه للمسؤولية إلى حدود مباراة زامبيا بتاريخ 7 يونيو 2024” بناءً على مجموع لقاءاته الإعلامية.
هذا السعي نحو تحليل الآليات التواصلية جاء بناءً على معطيين، الأول يتأسس على مبدأ المقابلة النفسية غير المباشرة معتمدًا على آلية الملاحظة، والثاني من خلال البناء التفاعلي مع الآخر الحاضر “الصحفي” والضمير الغائب “الجمهور والمسؤولين عن المنظومة الكروية كل من موقعه داخل الشكل التنظيمي للبنية الكروية المغربية”.
من خلال هذا التأسيس سيتم تحقيب الشكل التواصلي للمدرب الوطني الركراكي عبر ثلاث مراحل: الأولى ما قبل كأس العالم مع إدراج مرحلة كأس العالم بعدم التركيز عليها حسب نظري لكونها فترة استثنائية بعدد من الظواهر النفسية العرضية المبنية على حالة الفرح والحزن والحياد، المرحلة الثانية منذ مباراة البرازيل إلى غاية الخروج من “كأن الكوت ديفوار”، المرحلة الثالثة: مرحلة ما بعد الكأن إلى مباراة تنزانيا، فضلًا عن مقاربة شكل المدخلات والمخرجات التي تتمثل في مطالب الجمهور وكيفية التعامل معها.
عطفًا على ما سبق سأخوض غمار وضع الركراكي في سياق ما أسميه بالمخالفة أو التجارب المقارنة في عالم التدريب من خلال الآليات التواصلية والأثر الذي شكلوه عبر مجموع المراحل التاريخية للعب والدفع بها للأمام، وذلك باعتبار “الركراكي” اليوم كصورة نسبية داخل مرحلة مختلفة من البناء التنموي للرياضة المغربية المبنية على تجربة التكوين والتطوير الداخلي وتقوية الموارد البشرية من خلال التأطير والتكوين التي تهدف لجني ثمارها على المستوى المتوسط والبعيد بهدف خلق الاستمرارية والاستثمار في إنجاز قطر.
المرحلة الأولى:
هذه المرحلة اتسم خلالها الركراكي بالخطاب العفوي المباشر وبلغة أقرب إلى “العامية”، الأمر الذي جعله ظاهرة تواصلية تتصدر النقاش بتلك المرحلة، حيث لعبت الأجواء العامة بدخول الركراكي في الجو العام بسرعة رغم أن بعض الاستجابات التواصلية تأثرت بعدم استيعاب الوضع الذي صار عليه، بالإضافة إلى الالتحام الجماعي حول وليد قبل وأثناء كأس العالم سمح له بأخذ مساحة نفسية، فضلًا عن محاولة رسم صورة حول شكل المدرب الوطني خصوصًا في ظل الوضع الذي سبقه أثناء فترة البوسني وحيد خاليلوزيتش، وليد سُوِّق لفكرة المدرب المزاوج بين الالتزام وبين نسج خيوط علاقات إنسانية مع اللاعبين، وكانت نتائج المرحلة “إنجاز قطر”.
المرحلة الثانية:
مرحلة الشك التمهيدي، اتسمت بالتغير التدريجي في الاستجابات التواصلية المتفاعلة مع المثيرات الداخلية (التشكيلة وتدبير أمور المنتخب) والخارجية (نقد الشارع المغربي)، هنا بدأ يظهر بشكل تواصلي أكثر حدة ومحاولة الظهور بمظهر القوة واعتبار آراء الشارع تُبنى على العاطفة والتحليلات السطحية التي لا يمكن البناء عليها ولا الأخذ بها واضعًا نظام العلبة السوداء (المطالب والاستجابة) جانبًا، والتوجه نحو سياسة قبول أمر الواقع، وبداية بزوغ ما أسميتها “صدمة قطر 2022” وسطرتها على الخطاب المباشر وغير المباشر للناخب الوطني التي صارت بمثابة الشماعة النفسية يمسك بها كلما ارتفع ميزان النقد أو في حالة السكون، الأمر الذي تجسد في خلق نسق تواصلي يتسم بالحدة وعدم المرونة ومحاولة صنع مجموعة من الهويات المؤقتة واستنفاذ جل الآليات الدفاعية، الأمر الذي شكل صورة “إخفاق كأس أفريقيا بالكوت ديفوار”.
المرحلة الثالثة:
تتسم بالتشكل الحقيقي لصدمة قطر 2022 مع تغير الشكل التواصلي للناخب الوطني الذي يطغى عليه نوع من الوثر والشك من خلال الكلام وحركة الجسد، فضلاً عن كيفية تشكيل الردود والاستجابات خصوصًا خلال المواقف “المحرجة”، وسعيه للتأكيد على ما حققه بقطر والتركيز عليه بشكل غير مباشر وكأن الناخب بنى منطقة راحة مبنية على التعلق الآمن (حسب نظرية النفساني البريطاني جون بولبي) ولكن بشكل معكوس حيث صار المدرب الوطني مثل ذلك الطفل الذي لا يستطيع التفكير خارج حدود راحته وبناء حواجز نفسية يكون لها الأثر المباشر وغير المباشر على الجو العام، الأمر الذي فاضت بواكره خلال اللقاء الأخير والحوادث غير العرضية أثناء وقبل وبعد المباراة، التي يمكن اعتبارها الأعراض للداء الحقيقي.
التجارب المقارنة:
إن أول تجربة مقارنة من حيث الفعل التواصلي تقودنا إلى المدرب الإنجليزي الراحل “برايان كلوف” الذي شغل مادة دسمة خلال سبعينيات وبداية ثمانينيات القرن الماضي وخصوصًا مناظرته الشهيرة مع المدرب الإنجليزي الآخر “الدون ريفي” والتي تشكلت الأثر والبناء لإنجازاته مع نوتنغهام، خصوصًا في ظل النقد اللاذع لريفي خصوصًا ما بعد ديربي كاونتي وتوليه مهام نادي ليدز الذي لطالما انتقد مبادئه وأسلوبه في اللعب، كلوف الذي كان يجيب بطريقة أقرب إلى الضحك المحمل بالرسائل كان مستمعًا جيدًا رغم المظهر العام، فكان النقد هو بداية إنجاز الثنائية التاريخية لنوتنغهام بدوري الأبطال علمًا أنه كان قد أصيب بمتلازمة العظمة بعد تحقيق الدوري الإنجليزي سنة 1972 مع ديربي كاونتي ليصل إلى حدود تشبيهه بمحمد علي كلاي الذي طالب بنزاله.
ليتم طرح فرضية محورية، هل سيتجاوز الناخب المرحلة ويخرجها إلى بر الأمان والانبعاث من رماد مونديال قطر 2022 إلى رحاب أوسع منه أم أنه سيظل غارقًا في عالم المثل والإنجازات الوقتية؟
إن حجم الأثر على الشيء يقاس بالكيمياء النفسية المتجسدة ضمن السياقات التفكيرية ومساعدة الذكاء الحركي للاعبين لتكوين فعل جماعي مثمر، على منوال ما خاطه مورينيو خلال فترته مع ريال مدريد والتي قطف ثمارها الإيطالي كارلو أنشيلوتي خلال المرحلة الأولى والفرنسي زين الدين زيدان خلال المرحلة الثانية، وقس على ذلك.
في الأخير نعيد السؤال بشكل آخر، متى سيضع الناخب الوطني وليد الركراكي قطيعة شعورية مع مونديال قطر 2022؟